-A +A
علي حسن (القاهرة)
تحدثنا في الحلقة السابقة عن حريق القاهرة وإلغاء معاهدة 1936 وعن تنظيم الضباط الاحرار وقيام ثورة 23 يوليو. وعرفنا من محدثنا كيف كشف المحاولة الانقلابية التي دبرها ضباط شيوعيون وقيادات عمالية ضد الرئيس جمال عبدالناصر. كما تطرقنا الى قتل السعديين لحسن البنا انتقاما لاغتيال الاخوان المسلمين للنقراشي باشا.
وفي هذه الحلقة يحدثنا النبوي اسماعيل عن دوره في ضبط تنظيم الحزب الشيوعي المصري وكشفه لمحاولة انقلابية داخل القوات المسلحة ولمحاولة أخرى من قبل الإخوان المسلمين لنسف قيادة الثورة بالسويس.

من خلال عملي كرئيس لمباحث النقل والمواصلات وفقت في ضبط تنظيمات مناهضة ومضادة لنظام الحكم وتوليت الأمن السياسي والأمن الجنائي الخاص وكذلك الأمن الجنائي العام وأصبح لهذا القطاع إنجازات وضربات متوالية وقوية جدا وتناولتها الصحف بالنشر. وكانت سياستي في العمل هي سياسة الباب المفتوح لأي شخص يريد مقابلتي سواء من العاملين معي أو من المواطنين العاديين وهذا الأمر أفادني كثيرا لانه يجلب لي معلومات كثيرة جدا ويجعلني غير أسير للتقارير التي تأتي لي من بعض الاجهزة أو القطاعات والتي قد يكون فيها أغراض أو أهواء وكنت أراعي العلاقات الانسانية لظروف الناس وظروف العمل وأضع نفسي في مكان صاحب المشكلة وأتصرف على هذا الاساس وقد ساعدتني علاقاتي العامة مع الاجهزة التي لها صلة بعملنا وغيرها من المواقع في تسهيل أمور عملي.كما حرصت على أتباع سياسة الحوافز بجانبيها الايجابي والسلبي أما أخطار العمل العادية فكنت أعمل على ترشيدها ولم أكن أعاقب على الصغائر وكنت أحرص دوما على الوجود في مواقع العمل الميداني وكنت اسمع وأرى وأتتبع الأمور بنفسي والتقي بالناس واعتدت أن أحل المشكلات التي تتكشف لي في موقع العمل مباشرة ولم اكن انتظر حتى العودة حيث استمع إلى أطراف المشكلة واسأل المختص وآخذ رأيه ثم اتخذ القرار المناسب على الفور. ووفقت من خلال هذه السياسة والعلاقات العامة القوية في مساعدة مباحث أمن الدولة في ضبط التنظيم الشيوعي المصري في عام 1955 حيث وطدت علاقاتي مع أحد المصادر من العاملين بالسكة الحديد والذي كان عضوا في الحزب الشيوعي ومسؤولا عن نشر المنشورات في قطاعات السكة الحديد التي كان يصدرها الحزب إلى جانب مجلة الراية والحقيقة اللتين تحملان أفكارا شيوعية وإسقاطات على الدولة وعلى الحكومة.
تجنيد مصدر شيوعي
وقد نجحت في تجنيد هذا الشخص وكنت التقي به على كورنيش النيل ثم يجلس على الكنبة على مقربة مني ويترك المنشورات ويمشي وآخذها أنا ولكي أقوم بتغطيته حتى لايكشف أمام التنظيم كنت استدعي رؤساء نقاط الشرطة في الورش وأبلغهم بأن قطاعات الهيئة مليئة بالمنشورات فيخرج الضباط والجنود والمخبرون مهرولين بحثا عن المنشورات فيشعر كل الشيوعيين والعمال خلال التحرك الامني المكثف انه كانت هناك منشورات في السكة الحديد وأن الشرطة قامت بجمعها.
وتولى مصدري في الحزب الشيوعي منصبا كبيرا في هذا التنظيم السري على نحو أتاح له أن يعرف أماكن الجهاز الفني للتنظيم وكوادره ومطابعه وكافة تحركاتهم فقمت بابلاغ مباحث امن الدولة بما حصلت عليه من معلومات بهذا الشأن فجاءني بنفسه فرع القاهرة وعرفته على المصدر في مكتبي وأطلعته على كافة التفاصيل وكلفته مباحث أمن الدولة بتكليفات محددة كان يقوم بتنفيذها وجعلت من مكتبي بمباحث السكة الحديد ملتقى للمصدر مع رجال أمن الدولة حتى تم كشف التنظيم وكافة اعضائه وتم القبض عليهم.. وكان تفكير هذا التنظيم يسعى لما اسماه العمل على إيجاد ثورة شعبية بين الطبقة العاملة من خلال إثارة العمال ولذلك في أحداث مظاهرات يناير 1977 اعتقد الشيوعيون انهم قادرون على تحقيق ثورة شعبية وحالة من الفوضى والارتباك في المجتمع ولكن تمكنا من السيطرة على الموقف وكان الشيوعيون يعتقدون انه بإمكانهم الاستيلاء على الحكم فيما كان الاخوان يتطلعون الى دولة دينية والشيوعيون يريدون دولة اشتراكية أو شيوعية ونسوا أن مصر دولة قوية وشعبها وسطي لايتجه لا إلى الشيوعية ولا إلى التطرف الديني.
ويقول محدثنا عن ذكرياته في هذه المرحلة: لقد استطعت من خلال عملي سواء قبل أن أكون وزيرا أو بعد ذلك أن أوجه ضربات متتالية وقوية للشيوعيين لدرجة أن قيادتهم قالت إن نبوي اسماعيل أوقف نمونا في مصر وذلك في مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي بفترة طويلة.
إحباط انقلاب مسلح
ونجحت أيضا فى كشف محاولة انقلاب في أحد قطاعات أسلحة القوات المسلحة عام 1955 حيث كان لي مصدر سري وشقيقه يعمل كهربائياً في هذا السلاح فكان متواجدا أثناء قيامه بأعمال تصليح في أحد المركبات فسمع حوارا بين مجموعة من الضباط يسعون للقيام بانقلاب ويعملون على تحديد ساعة الصفر بعد ضم عناصر معينة إلى صفوفهم فاستكان بداخل المركبة واستطاع تحديد شخصية احدهم وحضر إلي في مباحث السكة الحديد وابلغني بما جرى.
وقد كنت صديقا لجمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة وأعرفه منذ أن كان ضابطا صغيرا في القوات الجوية والتقينا كثيرا أنا وهو وأشقاؤه بمنطقة الحلمية الجديدة والقريبة من سكن عائلتي وربطتني به صداقة أيضا عندما عمل وزيرا للنقل والمواصلات حيث كان دائما يطلبني للحضور الى مكتبه في الوزارة للتشاور معي في اختيار قيادات الوزراء وفي كثير من الأمور. وعندما ابلغته بهذه الواقعة قال لي يانبوي إن هذه المعلومات خطيرة وأرسل على الفور مدير مكتبه وكان يدعى قرني البدوي من بني سويف وحضر معه عباس رضوان مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر إلى جانب شخص آخر اسمه رؤوف اسعد الذي أصبح في ما بعد رئيس ديوان رئيس الجمهورية حيث كان يعمل ضابط امن السلاح وجلسوا معي جميعا في مكتبي في كوبري الليمون بحضور الكهربائي ضابط الواقعة والذي نجح في حواره معهم في تحديد شخصية الثلاثة الذين كانوا يخططون معا للانقلاب حيث أكدت التحريات بعد ذلك صدق هذه المعلومات إلى جانب انهم كلفوا هذا الكهربائي بعمل مراقبات محددة لهؤلاء الضباط. ثم يلتقون معه في مكتبه ليحصلوا منه على المعلومات التي تطلب منه وبعد 3 أسابيع تم ضبط محاولة الانقلاب والقبض على عناصرها.
وأتذكر هنا ان أحد الضباط وكان يعمل معي يدعى سيد زكي والذي عينته في ما بعد مدير العلاقات العامة بوزارة الداخلية عندما اصبحت وزيرا قد طلب مني عقب القبض على هذا التنظيم بفترة وجيزة أن أطلب من عباس رضوان باعتباره صاحب مركز كبير في القوات المسلحة أن يتوسط لقبول شقيقه الذي تقدم للالتحاق بالكلية ولم يقبل رغم نجاحه في كافة الاختبارات.
والتقيت بعباس رضوان الذي رحب بي ترحيبا شديدا فقلت له أن عندي ضابطا يريد أن يلتحق شقيقه بالكلية البحرية ولم يعلن اسمه في كشوف المقبولين رغم اجتيازه لكافة الاختبارات فقال لي أبلغ الطالب أن يأخذ ملابسه ويتوجه غدا لمقابلة قائد الكلية البحرية في رأس التين وسيقبل على الفور وتم قبوله بالفعل.
علاقتي بالوزير عباس
وبعد ذلك عين عباس رضوان وزيرا للداخلية وفور تعيينه اتصل بمدير شؤون الضباط وقال له عندك ضابط بمباحث السكة الحديد اسمه نبوي اسماعيل وإذا طلب منك أي شيء عليك أن تلبيه له دون الرجوع إلي.. فاتصل بي مدير شؤون الضباط وقال لي هل تعرف الوزير عباس رضوان فقلت له لا أعرفه فسألني هل لك أحد الاقارب أو المعارف على علاقة وطيدة به فأكدت له أنه ليس لي أحد على صلة بعباس رضوان فكرر السؤال هل هناك احد تحدث مع الوزير بشأنك لإنجاز طلب يخصك في عملك بالشرطة فأجبته لا اعتقد فقال لي اليس لك أي طلب أو خدمة تريد انجازها فقلت له لا أريد شيئا وشكرا.
بعدها اتصل مدير شؤون الضباط بعباس رضوان أثناء جلوسي معه وقال له سيادتك طلبت مني أن انفذ أي طلب للضابط نبوي اسماعيل وهو يجلس امامي الآن وقال انه لا يريد أي خدمة وانه لا يعرف سيادتكم أو يعرف احدا يعرفك وليس له أي طلب ولا يحتاج شيئا.
فقال لي مدير شؤون الضباط عقب انتهاء المكالمة أن الوزير ضحك كثيرا مما قلته له وقال لي في ختام المكالمة لو طلب منك نبوي أي خدمة في أي وقت نفذها له. وكان عباس رضوان رجلا عظيما واستمرت صداقتي به منذ تركه منصبه الوزاري حتى توفاه الله منذ عدة سنوات.
ويحكي لنا الوزير النبوي اسماعيل واقعة مثيرة وقعت في العام 1965 فيقول: لقد وفقني الله لضبط محاولة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وقيادة الثورة في مدينة السويس خلال حضورهم الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة.. وكانت الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية ألقت القبض على عناصر كبيرة من الاخوان المسلمين على مستوى الجمهورية لتورطهم في تنظيمات للجماعة المحظور نشاطها وغضب الرئيس عبدالناصر في ذلك الوقت من مباحث امن الدولة وفكر في حلها بحيث ينقل كفاءتها للعمل بالمخابرات على أن تختص وزارة الداخلية بالامن العام فقط ولا يكون لها شأن بالامن السياسي. وتدخل آنذاك زكريا محي الدين باعتباره وزير داخلية سابق لدى الرئيس عبدالناصر وعمل على تهدئته واقناعه بالتمهل قبل هذه الخطوة. وفي اليوم الرابع لعيد الاضحى كنت استريح في منزلي بعدما عملت طوال الايام الثلاثة الأولى من العيد في مكتبي وقررت الاستراحة بمنزلي في هذا اليوم لاستأنف عملي في اليوم التالي اتصل بي أحد مصادري وهو صاحب شركة للكيماويات وطلب مني مقابلته فطلبت منه أن يحضر إلى مكتبي في الغد فأكد لي أن الموضوع بالغ الاهمية. فالتقيته بعد ساعة في مكتبي فقال لي انه يريد أن يأخذ رأيي في موضوع مهم وهو انه تعرف على شخص بالسويس عرفه على مجموعة من اصدقائه وكانوا يلتقون في لقاءات دينية داخل المسجد وخارجه ثم تبين له أن الأمر تطور وان هذه الجماعة تخطط لاغتيال قادة الثورة أثناء حضورهم الاحتفال بالعيد القومي للسويس. وقال لي المصدر انه بصفته مقاولا وفي نفس الوقت كيميائي طلبوا إليه القيام بإعداد المفرقعات وتركيبها وتشغيلها وابدى المصدر لي تخوفه من انه إذا قام بالابلاغ عنهم بصورة رسمية فيمكن أن يقتلوه وانه يرفض الاشتراك معهم في هذه الجريمة لأنه ليس ارهابيا وليس ضد الرئيس عبدالناصر أو قادة الثورة ويريد أن يخرج من هذا المأزق دون أن يبلغ عنهم أو أن يشترك معهم. وسألته عن افراد التنظيم فقال لي 65 شخصا. فقلت له أن هناك احتمالا بأن يكون من بين هذه المجموعة شخصان أو ثلاثة أو اكثر على صلة بالاجهزة الامنية ويكونوا قد قاموا بالابلاغ عنكم وان تكون أنت مراقب حتى وأنت جالس معي الآن ولن ينقذك قولي انك لم تكن ترغب في الاشتراك.. وبالنسبة لخشيتك من قتلهم لك فتستطيع أجهزة الأمن حمايتك وانصحك بالابلاغ وسوف نحميك ولن يعلم أحد منهم على الإطلاق انك صاحب البلاغ. ووجدت الرجل مترددا و مهزوزا حتى اظهر اقتناعا نسبيا.
وفكرت في ذلك الوقت أن اقوم بابلاغ مباحث امن الدولة دون غيرها من الاجهزة الامنية حيث شعرت انهم في مأزق وكنا جميعا كضباط شرطة في غم من احتمال حل جهاز امن الدولة وإبعاد الداخلية عن الأمن السياسي ووصل الأمر في ذلك الوقت إلى حد ان بعض ضباط امن الدولة الذين كنت اعمل معهم سابقا جاءوا إلى في شرطة النقل والمواصلات وطلبوا مني أن يعملوا معي إذا ما تم حل الجهاز وبالفعل طلبت من مدير إدارة شؤون الضباط نقلهم معي إذا ما تمت عملية الحل.
واجريت على الفور مكالمة باللواء حسن طلعت مدير مباحث امن الدولة في منزله وابلغته بوجود أمر مهم أريد مقابلته بشأنه وذهبت إليه في مكتبه وتركت المصدر ينتظرني في مقهى في ميدان التحرير ورفضت أن اصطحبه معي حتى لا يحتك به أحد من الضباط.
وشرحت الأمر لحسن طلعت الذي اخذه باستخفاف نسبى ومرجع ذلك أن أحد الاشخاص كان قد ابلغهم منذ عدة أسابيع بوجود محاولة لاغتيال الرئيس عبدالناصر أثناء مروره بالقطار وتبين فيما بعد أن هذا البلاغ كان بلاغا وهميا وغضب الرئيس عبدالناصر كثيرا وصمم على السفر بالقطار في ذلك اليوم متأخرا لمدة ساعة ومن ثم كانت الحالة النفسية لرجال امن الدولة ليست على ما يرام وخاف حسن طلعت من تكرار الأمر مرة أخرى.